مقدمة
اضطراب أحلام اليقظة المفرطة (Maladaptive Daydreaming) هو حالة نفسية تتميز بانغماس الشخص في أحلام يقظة مفرطة إلى درجة تعيق قدرته على ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي. يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى تراجع الأداء الأكاديمي، المهني، والاجتماعي، حيث يفضل الشخص العيش في عالم خيالي بدلاً من التعامل مع الواقع.
في هذا المقال، سنناقش مفهوم اضطراب أحلام اليقظة المفرطة، أعراضه، أسبابه، تأثيره على الصحة النفسية، وأساليب علاجه، مع الاستناد إلى الأبحاث والدراسات العلمية.
أحلام اليقظة هي ظاهرة طبيعية يمر بها الجميع، لكنها تصبح اضطرابًا عندما تستحوذ على وقت الشخص بشكل مفرط وتؤثر على حياته اليومية. تم تعريف اضطراب أحلام اليقظة المفرطة لأول مرة من قبل الباحث إيلي سومر (Somer, 2002) باعتباره نمطًا متكررًا من التخيلات الغنية والمفصلة التي تصبح وسيلة للهروب من الواقع.
أعراض اضطراب أحلام اليقظة المفرطة
1. الانغماس العميق في التخيلات
يعيش المصابون بهذا الاضطراب في تخيلات معقدة ومفصلة للغاية، وغالبًا ما تكون هذه التخيلات ممتدة على فترات زمنية طويلة، مما يؤثر على تركيزهم في الواقع (Somer, 2002).
2. فقدان السيطرة على أحلام اليقظة
يجد المصابون صعوبة كبيرة في تقليل أو إيقاف أحلام اليقظة حتى عندما يدركون أنها تؤثر سلبًا على حياتهم اليومية. قد يحاول البعض التوقف لكنهم يفشلون مرارًا وتكرارًا (Bigelsen & Schupak, 2011).
3. تأثير سلبي على الأداء الوظيفي والأكاديمي
تؤثر أحلام اليقظة المفرطة على القدرة على التركيز في العمل أو الدراسة، حيث يجد المصابون أنفسهم غير قادرين على إنجاز المهام اليومية بسبب انغماسهم في التخيلات.
4. تفضيل العزلة الاجتماعية
قد يعاني المصابون من صعوبات في بناء علاقات اجتماعية حقيقية، إذ يشعرون براحة أكبر في التفاعل مع عوالمهم الخيالية بدلاً من التعامل مع الواقع.
5. مرافقة أحلام اليقظة لحركات جسدية متكررة
قد يقوم المصابون بحركات جسدية مثل تأرجح الجسم أو تحريك اليدين أثناء تخيلاتهم العميقة، ما يشير إلى ارتباط الاضطراب بأنماط سلوكية نمطية (Somer et al., 2017).
6. الشعور بالذنب والندم
بعد قضاء ساعات طويلة في التخيلات، يشعر المصابون بالذنب والإحباط بسبب إضاعة الوقت وعدم تحقيق الأهداف الواقعية، مما يزيد من التوتر والقلق.
عوامل اضطراب أحلام اليقظة المفرطة
1. التجارب السلبية في الطفولة
تعد الصدمات العاطفية في مرحلة الطفولة، مثل التعرض للتنمر أو الإهمال أو سوء المعاملة أو التلاعب النفسي، من العوامل الرئيسية التي تدفع الأفراد إلى استخدام أحلام اليقظة كوسيلة للهروب من الواقع. يلجأ البعض إلى بناء عوالم خيالية أكثر أمانًا وسعادة لتعويض النقص العاطفي الذي عانوا منه في حياتهم المبكرة
2. نقص الثقة بالنفس
يرتبط ضعف الثقة بالنفس وأحلام اليقظة المفرطة بشكل وثيق، حيث يلجأ الأشخاص الذين يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية إلى خلق سيناريوهات خيالية تكون فيها حياتهم أكثر نجاحًا وتأثيرًا. يساعدهم ذلك على التخفيف من مشاعر العجز أو الإحباط التي يشعرون بها في الواقع .
3. اضطرابات نفسية مصاحبة
تشير الأبحاث إلى أن هناك صلة بين أحلام اليقظة المفرطة وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى، مثل:
اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، حيث يعاني المصابون به من صعوبة في التركيز مما يجعلهم عرضة للهروب إلى الخيال.
اضطراب الوسواس القهري (OCD)، إذ يمكن للأفكار التسلطية أن تؤدي إلى تخيلات طويلة الأمد.
اضطرابات القلق والاكتئاب، حيث يستخدم بعض الأفراد التخيلات المفرطة لتجنب المشاعر السلبية .
4. الرغبة في الهروب من الواقع
يعتبر الهروب من الواقع سببًا رئيسيًا آخر لهذا الاضطراب، إذ يجد بعض الأشخاص أن حياتهم اليومية مملة أو مليئة بالضغوط، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى التخيلات للهروب من مشاعر التوتر أو الإحباط .
5. التفكير المفرط في المستقبل
يشير علماء النفس إلى أن الانشغال الزائد بالتخطيط للمستقبل والخوف من اتخاذ قرارات خاطئة قد يؤدي إلى أحلام يقظة مفرطة، حيث يستخدم العقل الخيال كأداة لمحاولة التنبؤ بالأحداث والسيطرة على نتائجها المحتملة.
تأثير اضطراب أحلام اليقظة المفرطة على الصحة النفسية
1. زيادة مستويات القلق والتوتر
أحلام اليقظة المفرطة قد تؤدي إلى ارتفاع مستويات القلق والتوتر، حيث يصبح الشخص غير قادر على التعامل مع الواقع بشكل فعال، مما يؤدي إلى شعور دائم بعدم الرضا والإحباط .
2. الارتباط بالاكتئاب
تشير الدراسات إلى أن الانغماس المستمر في الخيال قد يؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب، إذ يصبح الواقع أقل إرضاءً مقارنة بالعالم الخيالي، مما يسبب عزلة اجتماعية وانخفاض الدافع لتحقيق الأهداف الواقعية .
3. التأثير على التركيز والإنتاجية
يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من صعوبة في التركيز على المهام اليومية، مما قد يؤثر على الأداء الأكاديمي أو المهني. يؤدي هذا إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة مشاعر الفشل والإحباط .
4. العزلة الاجتماعية وضعف المهارات الاجتماعية
يؤثر هذا الاضطراب على القدرة على التفاعل الاجتماعي، حيث يفضل الشخص البقاء في عالمه الخيالي بدلاً من التفاعل مع الآخرين، مما يؤدي إلى ضعف المهارات الاجتماعية والشعور بالوحدة .
5. اضطرابات النوم
قد يؤثر التفكير المستمر في السيناريوهات الخيالية على جودة النوم، حيث يعاني الأفراد من صعوبة في النوم أو الاستيقاظ المتكرر بسبب الانغماس في التخيلات، مما يؤدي إلى الشعور بالتعب والإرهاق خلال النهار.
طرق علاج اضطراب أحلام اليقظة المفرطة
1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يعد العلاج السلوكي المعرفي أحد أكثر الأساليب فعالية في معالجة هذا الاضطراب، حيث يساعد على إعادة هيكلة الأفكار والتحكم في التخيلات (Somer et al., 2017).
2. ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل
تمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness) تساعد في تحسين التركيز وتقليل الوقت الذي يقضيه الشخص في أحلام اليقظة.
3. وضع جدول زمني للمهام اليومية
يساعد تقسيم اليوم إلى فترات محددة على تقليل الوقت الضائع في التخيلات وزيادة الإنتاجية.
4. الحد من المحفزات المرتبطة بأحلام اليقظة
قد تشمل المحفزات الموسيقى، القراءة المفرطة للروايات الخيالية، أو مشاهدة الأفلام التي تحفز الخيال.
5. الاستعانة بمختص نفسي
إذا كان اضطراب أحلام اليقظة المفرطة يؤثر بشكل كبير على حياة الشخص، فمن الضروري استشارة أخصائي نفسي للحصول على الدعم المناسب.
الأسئلة الشائعة
1. هل أحلام اليقظة المفرطة مرض نفسي؟
في الوقت الحالي، لا يتم تصنيف اضطراب أحلام اليقظة المفرطة كتشخيص رسمي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، ولكنه يعتبر مشكلة نفسية تحتاج إلى اهتمام وعلاج.
2. كيف يمكنني معرفة إذا كنت أعاني من اضطراب أحلام اليقظة المفرطة؟
إذا كنت تجد صعوبة في التحكم في تخيلاتك، وتؤثر أحلام اليقظة على حياتك اليومية وعلاقاتك، فقد يكون لديك هذا الاضطراب.
3. هل يمكن علاج اضطراب أحلام اليقظة المفرطة؟
نعم، من خلال تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي، اليقظة الذهنية، وإدارة الوقت، يمكن التحكم في الأعراض وتقليل تأثيرها على الحياة اليومية.
4. هل اضطراب أحلام اليقظة المفرطة مرتبط بالاكتئاب؟
في بعض الحالات، قد يكون مرتبطًا بالاكتئاب أو القلق، حيث يستخدمه الأفراد كآلية هروب من الواقع.
الخاتمة
اضطراب أحلام اليقظة المفرطة هو حالة نفسية يمكن أن تؤثر على الحياة اليومية للأفراد، ولكن من خلال الوعي بالأنماط السلوكية، واتباع استراتيجيات علاجية مناسبة، يمكن تقليل تأثيره وتحسين جودة الحياة. من المهم طلب الدعم من المختصين إذا كانت هذه الحالة تؤثر بشكل كبير على الأداء اليومي.